منوعات

لحن في فيلم لإسماعيل يس تحول أشهر نشيد وطني في السودان

%d9%84%d8%ad%d9%86 %d9%81%d9%8a %d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85 %d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d9%84 %d9%8a%d8%b3 %d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84 %d8%a3%d8%b4%d9%87%d8%b1 %d9%86%d8%b4%d9%8a%d8%af %d9%88

في مشهد غير متوقع، تحول لحن وُلد في أستوديوهات السينما المصرية منتصف القرن الماضي إلى نشيد وطني هزّ وجدان السودانيين لعقود طويلة ولا يزال.

تعود القصة المثيرة إلى العام 1958، عندما أبدع الموسيقار السوداني برعي محمد دفع الله لحناً لأغنية “اظهر وبان عليك الأمان”، من كلمات الشاعر المصري فتحي قورة، وأداها الفنان السوداني الكبير إبراهيم عوض ضمن فيلم “إسماعيل يس طرزان”. لم يكن أحد يتخيّل أن هذا اللحن العابر في أحد أفلام إسماعيل يس الكوميدية سيعود لاحقاً ليأخذ مساراً مختلفاً تماماً، متحولاً إلى أحد أكثر الأناشيد الوطنية تأثيراً في السودان.

من السينما إلى المناسبات السياسية

ما حدث بعد ذلك أصبح بمثابة ألغاز موسيقية، إذ عاد برعي محمد دفع الله إلى اللحن ذاته بعد سنوات، لكن هذه المرة بكلمات سودانية خالصة كتبها الشاعر سيف الدين الدسوقي، لتصبح أغنية “أحب مكان وطني السودان”. لم تكن مجرد أغنية وطنية، بل تحولت إلى رمز وجداني ردّدته الأجيال السودانية في المناسبات الوطنية، واستُخدمت في الاحتفالات الرسمية وغير الرسمية، وحتى في لحظات الثورة والمقاومة، مما عزّز مكانتها في الوجدان الجمعي للسودانيين.

كيف أُعيد إحياء اللحن؟

وكشف الموسيقار كمال يوسف، الذي أعاد تسليط الضوء على القصة المثيرة، بعض التفاصيل غير المعروفة عن هذه الرحلة الموسيقية الغامضة، قائلاً: “أغنية (اظهر وبان)، التي لحّنها برعي محمد دفع الله وأداها إبراهيم عوض في فيلم (إسماعيل يس طرزان) عام 1958، تعدّ واحدة من عدة أغنيات قدّمها مطربون سودانيون في السينما المصرية خلال الخمسينيات. لاحقاً، أعاد برعي وإبراهيم عوض تقديم اللحن ذاته في أغنية (أحب مكان وطني السودان) بكلمات سيف الدين الدسوقي.” وأكد يوسف أن اللحن لم يكن مقتبساً، كما أُشيع، مشيراً إلى أن برعي لم يتأثر بالموسيقى المصرية كما فعل بعض الفنانين السودانيين الآخرين.

“موزارت أم درمان”

في قلب هذا التحوّل الموسيقي، يقف اسم الموسيقار السوداني برعي محمد دفع الله، الرجل الذي حوّل النغمات الموسيقية إلى أيقونات خالدة. وُلد برعي في العام 1929 في حي الموردة بأم درمان، واشتهر بلقب “موزارت أم درمان”. بدأ رحلته الفنية متأثراً بالإنشاد الديني، قبل أن يصبح عازفاً ماهراً على العود ثم ملحناً استثنائياً ساهم في تشكيل ملامح الموسيقى السودانية الحديثة.

من أبرز محطاته تعاونه مع الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود، حيث قدَّما معاً أعمالاً أصبحت علامات في تاريخ الغناء السوداني، مثل “أحلام الحب” و”عذارى الحي” و”أريج نسمات الشمال”. كما لحّن أعمالاً لكبار الفنانين، وبرزت إسهاماته في مقطوعات موسيقية استثنائية، مثل “مارش الحرية” و”فرحة شعب”.

ورغم وفاته في أبريل 1999، لا يزال اسم برعي محمد دفع الله محفوراً في ذاكرة السودان الموسيقية، إذ ترك خلفه أكثر من 350 عملاً موسيقياً، بما في ذلك 100 معزوفة سُجلت في إذاعات عالمية، مما يجعل من إرثه شاهداً على عبقرية رجل لم يكن مجرد ملحن، بل صانع وجدان وأيقونات وطنية.

مصادفة أم قدر موسيقي؟

قد يبدو أن تحول هذا اللحن من مشهد سينمائي إلى نشيد وطني مجرد مصادفة، لكن تأمل رحلة برعي محمد دفع الله يكشف أن موسيقاه لطالما حملت طابعاً ملحمياً. فهل كان يدرك منذ البداية أن هذه النغمات ستصبح جزءًا من هوية وطنية؟ أو هل الألحان تختار مصيرها بنفسها؟

ربما لم يكن برعي يدرك تماماً تأثير عمله في تلك اللحظة، لكن ما هو مؤكد أن “أحب مكان وطني السودان” لم تعد مجرد أغنية، بل صارت نشيداً غير رسمي محفوراً في ذاكرة السودان، يروي قصة وطنٍ صنع من ألحانه هوية لا تُنسى.



عدد المصادر التي تم تحليلها: 5
المصدر الرئيسي : الخرطوم – خالد فتحي Alarabiya Logo
post-id: e209f1d2-7207-4950-a821-e494543735c8