السعودية

مختصان لـ”اليوم”: مبالغ المشاهير الخرافية تشوّه مفهوم النجاح وتربك وعي الشباب

%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%86 %d9%84%d9%80%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85 %d9%85%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ba %d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d9%87%d9%8a%d8%b1 %d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d8%a7

أكد مختصون في علم النفس والتربية أن اهتمام الجمهور المتزايد بأرقام دخل المشاهير ليس أمرًا عابرًا، بل يعكس دوافع نفسية متجذرة أبرزها الفضول والمقارنة الاجتماعية، والتي تبدأ منذ الطفولة وتستمر مدى الحياة. وأوضحوا في حديثهم أن هذا الفضول الفطري يدفع الأفراد لمتابعة تفاصيل حياة المشاهير، فيما تسهم المقارنة الاجتماعية في تغذية شعور داخلي بعدم الرضا، خاصة عندما تُطرح أرقام خيالية تُربط بالنجاح والثروة. كما حذروا من خطورة هذا المحتوى على الشباب، لما له من آثار نفسية وسلوكية تمتد إلى تشكيل قناعات خاطئة وتقليد أنماط غير واقعية، داعين إلى دور توعوي أكبر من الإعلام والمجتمع لتوجيه البوصلة نحو نماذج حقيقية أكثر قيمة وصدقًا.

وأكد أستاذ علم النفس البروفيسور محمد بن مترك القحطاني، أن اهتمام الجمهور بالأرقام التي تُنشر حول دخل المشاهير يعود إلى دافع نفسي متجذر في الإنسان يُعرف بـ”دافع الفضول وحب الاستطلاع”، مشيرًا إلى أنه دافع يظهر منذ مرحلة الطفولة ويستمر طيلة حياة الفرد. وأوضح أن هذا الدافع يدفع الأشخاص للسعي إلى معرفة تفاصيل حياة الآخرين، خاصة المشاهير، من باب إشباع حاجة داخلية فطرية للمعرفة.

ولفت القحطاني إلى أن هذا الفضول يبدأ مبكرًا؛ فالطفل يركض نحو الباب لمجرد سماع صوت طرقه، أو يرفع سماعة الهاتف دون طلب من أحد، وهو السلوك ذاته الذي يفسر انجذاب البالغين لمتابعة حياة المشاهير وتفاصيل دخولهم ونمط معيشتهم. وأشار إلى أن هذه الممارسات تنبع من الرغبة في الفهم والاطلاع، وهي حاجة نفسية يشارك فيها الجميع بدرجات متفاوتة.

وأضاف أن “المقارنة الاجتماعية” تعد أحد المحركات الرئيسة لهذا الاهتمام، إذ يميل الفرد بطبيعته إلى قياس وضعه مقارنة بالآخرين، وخاصة أولئك الذين يعيشون حياة الرفاهية والشهرة. وبين أن بعض الأفراد ينظرون إلى المشاهير كوسيلة للترفيه، بينما يرى آخرون فيهم نماذج مثالية يسعون لمحاكاتها، سواء في الشكل أو السلوك أو أسلوب الحياة.

وحذر القحطاني من أن نشر أرقام خيالية عن دخول المشاهير يخلق تصورات مشوشة وغير واقعية حول مفهومي النجاح والثروة، موضحًا أن بعض الشباب قد يشعر بالإحباط أو حتى الانكسار عندما يدرك صعوبة تحقيق تلك النجاحات، مما يؤثر على سلامته النفسية وثقته بذاته.

وبيّن أن النفس البشرية تنجذب بطبعها إلى الأمور غير المألوفة، سواء كانت أصواتًا مرتفعة أو أحداثًا مفاجئة، وهذا ما يفسر انجذاب الجمهور للأرقام الفلكية المتداولة حول المشاهير، حيث تثير هذه الأرقام الخيال وتغذي روح المغامرة الكامنة في الإنسان.

وأشار إلى أن سلوك المستهلك يتأثر مباشرة بتصوراته عن المشاهير، موضحًا أن ظهور أحدهم وهو يروّج لمنتج معين يمنح المتابعين انطباعًا ضمنيًا بجودة المنتج. وأضاف أن كثيرًا من القرارات الشرائية، خصوصًا بين الشباب، تنطلق من هذا الارتباط النفسي بين شهرة المروج وقيمة ما يقدمه.

وشدد البروفيسور القحطاني على أهمية الدور التوعوي الذي يجب أن تضطلع به وسائل الإعلام، بمختلف أشكالها، إلى جانب المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور، في تعزيز التفكير النقدي لدى النشء، وتحصينهم من تصديق كل ما يُعرض في الإعلام أو عبر المنصات الرقمية على أنه واقع مسلم به.

وأشار إلى أن المسؤولية الأخلاقية تقع أيضًا على عاتق المشاهير أنفسهم، مؤكدًا أن الأجيال الصغيرة تكتسب سلوكياتها من خلال ما يُعرف في علم النفس بـ”التعلم بالنمذجة”، حيث يتأثر الفرد بالنموذج الذي يشاهده ويعيد إنتاجه في حياته الخاصة. وأوضح أن هذا التقليد قد لا يتوقف عند المظاهر السطحية مثل قصة الشعر أو أسلوب اللباس، بل يمتد إلى تبني قناعات وسلوكيات معينة، ما يعزز الحاجة إلى أن يكون النموذج قدوة حقيقية في القيم والمبادئ.

ووجّه القحطاني دعوة صادقة إلى الشباب والمراهقين، بل وإلى الكبار أيضًا، لاختيار نماذج إيجابية يحتذون بها. وأشار إلى أن الإسلام يزخر بشخصيات عظيمة يُمكن أن تُشكّل مصدر إلهام حقيقي، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، والسلف الصالح، والتي تقدم دروسًا إنسانية رفيعة في الصدق، والكرم، والاحترام، والعطاء.

من جهتها، أكدت أخصائية التربية الخاصة رباب أبو سيف أن الاهتمام المتزايد بأرقام دخول المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي ليس محض فضول عابر، بل يرتبط بآليات نفسية عميقة، أبرزها “المقارنة الاجتماعية”، التي تدفع الأفراد إلى قياس مكانتهم بناءً على نجاحات الآخرين، خاصة من نالوا الشهرة والثروة.

وأوضحت أن هذا النمط المتكرر من المحتوى قد يُحدث تشويشًا في المفاهيم، حيث يصبح المال هو المعيار الوحيد للنجاح، ويُغفل جانب الاجتهاد والعمل الحقيقي، مما ينعكس سلبًا على الرضا الذاتي، لا سيما عند مقارنة الأفراد لدخولهم المحدودة بأرقام خيالية يتم تداولها على نطاق واسع.

وأضافت أن هذه الظاهرة لا تقتصر آثارها على الجانب النفسي فقط، بل تمتد إلى السلوك الاستهلاكي، إذ ينجذب الكثيرون لاقتناء المنتجات التي يروج لها المشاهير في محاولة لمحاكاة نمط حياتهم، وهو ما تستغله الحملات التسويقية التي تصنع صورة زائفة للنجاح السهل.

وحذّرت أبو سيف من التأثيرات السلبية لهذه الرسائل على فئة الشباب، ومنها الشعور بالإحباط، وضياع القيم، وتقليد أنماط حياتية تفوق إمكاناتهم، مشددة على أهمية بناء محتوى توعوي حقيقي يكشف زيف هذه الأرقام، ويعيد تصويب البوصلة نحو نماذج نجاح أكثر واقعية ومصداقية.

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن بعض الأفراد قد يقعون في فخ تصديق الأرقام المبالغ فيها تحت تأثير الجماعة أو للهروب من الواقع، مطالبة المشاهير بتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والشفافية مع جمهورهم، خاصة من فئة المراهقين، لأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالأموال فحسب، بل بالأثر الإيجابي والتميز الحقيقي.

بذلك، ينبغي تعزيز التفكير النقدي لدى النشء عبر المناهج التعليمية والإعلام التوعوي وتوجيه الإعلام لصناعة محتوى واقعي ومتوازن بعيدًا عن تضخيم الثروات. كما يجب دعوة المشاهير للتحلي بالشفافية وتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه جمهورهم، وتحفيز الشباب على اختيار قدوات إيجابية من التاريخ والدين والمجتمع. ومن المهم توعية الأهل والمعلمين بأهمية توجيه الأبناء نحو قيم العمل والاجتهاد وربط مفاهيم النجاح بمعايير جوهرية مثل الإنجاز والأثر المجتمعي لا الثروة فقط، وضمان عدم وقوع الجمهور في فخ الدعاية المضللة المرتبطة بالمشاهير، ودعم مبادرات الإعلام الهادف التي تسلط الضوء على نماذج نجاح حقيقية وتنظيم حملات توعوية للكشف عن زيف بعض الأرقام المتداولة، وتشجيع الشباب على بناء هويتهم بعيدًا عن تقليد أنماط لا تناسب واقعهم.



عدد المصادر التي تم تحليلها: 5
المصدر الرئيسي : عبدالعزيز العمري – جدة
post-id: cc1bffd5-91c9-4d42-a023-57d2fb21bd69

تم نسخ الرابط!
4 دقيقة و 45 ثانية قراءة