مختصون لـ”اليوم”: دخل المشاهير يعزز “الاستهلاك المظهري” ويضغط نفسية الشباب

يثير الجدل المتصاعد حول حجم الدخل الذي يجنيه المشاهير والمؤثرون عبر منصات التواصل الاجتماعي تساؤلات واسعة في الأوساط الشعبية والإعلامية، وسط تناثر أرقام فلكية يُقال إنهم يتقاضونها. وفي محاولة لاستجلاء حقيقة هذا العالم المثير للجدل وتأثيراته المتعددة، استطلعت آراء مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع، وهما الأخصائي الاجتماعي جعفر العيد، والأخصائي النفسي والمدير التنفيذي لمجموعة ”أصدقاء تعزيز الصحة النفسية“، فيصل العجيان.

أوضح المختص الاجتماعي، جعفر العيد، أن الاهتمام الجماهيري المتزايد بأرقام دخل المشاهير ينبع من دوافع اجتماعية متشابكة، حيث يُنظر إلى الثروة كأحد أبرز مقاييس النجاح والمكانة في العديد من المجتمعات. وأشار إلى أن دخل المشاهير يصبح مؤشراً على مدى نجاحهم وتأثيرهم، ما يثير فضول الجمهور ويدفعه للمقارنة أو الطموح.

فيما يخص مصداقية الأرقام المتداولة حول دخل المشاهير، بيّن “العيد” أن تحليلها عملية معقدة، رغم إمكانية الاستناد إلى مؤشرات مثل قيمة العقود الإعلانية المعلنة، وحجم المشاريع التجارية التي يمتلكونها أو يشاركون فيها، ومعدلات التفاعل والمشاهدة على منصاتهم. وأكد وجود تحديات منهجية كبيرة في هذا النوع من البحوث، أبرزها غياب الشفافية الكاملة من قبل العديد من المشاهير الذين لا يفصحون عن دخلهم الحقيقي بشكل دقيق.

وأضاف أن صعوبة التحقق من مصادر الدخل المتعددة وغير التقليدية، خاصة تلك المرتبطة بالاقتصاد الرقمي والهدايا والدعم المباشر، تزيد الأمر تعقيداً، فضلاً عن احتمال وجود تضخيم متعمد للأرقام بهدف زيادة القيمة السوقية للمشهور أو لأغراض دعائية. وشدد على أن الوصول لبيانات مالية دقيقة وموثقة يتطلب جهداً استقصائياً كبيراً، وغالباً ما تصطدم هذه الجهود بجدار الخصوصية أو السرية التجارية.

وحذر “العيد” من أن تضخيم دخل المشاهير له آثار اقتصادية واجتماعية لا يمكن تجاهلها، حيث قد تدفع الشركات مبالغ طائلة لمشاهير بناءً على أرقام دخل متضخمة، ما قد لا يعكس بالضرورة قدرتهم الحقيقية على التأثير في سلوك المستهلك. وقد يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف التسويق التي يتحملها المستهلك في نهاية المطاف.

لفت “العيد” إلى أن تضخيم الدخل يمكن أن يساهم في خلق توقعات غير واقعية لدى الشباب حول سبل تحقيق النجاح والثروة، وقد يدفعهم إلى السعي وراء الشهرة السريعة، بدلاً من التركيز على التعليم والعمل الجاد، مشيرًا إلى أن ذلك يمكن أن يعزز من ثقافة الاستهلاك المظهري والرغبة في محاكاة أنماط حياة باذخة قد لا تكون في متناول الأغلبية، ما قد يؤدي إلى ضغوط نفسية ومادية على الأفراد.

في سياق البحث عن حلول، شدد “العيد” على ضرورة وضع إطار قانوني وأخلاقي ينظم عملية الإفصاح عن الدخل، مقترحاً أن يشمل هذا الإطار إلزام المؤثرين بالإشارة بوضوح إلى الإعلانات المدفوعة، وربما وضع حدود للمبالغ التي يمكن تقاضيها بناءً على معايير محددة وشفافة، بالإضافة إلى تضمينه عقوبات على المخالفين لضمان الالتزام. وأكد أن الجانب الأخلاقي لا يقل أهمية، ويتعلق بمسؤولية المشاهير تجاه جمهورهم. ولابد من تحري الدقة والمصداقية من وسائل الإعلام المختلفة وعدم الانسياق وراء الإثارة على حساب الحقيقة.

فيما يتعلق بالدور المنوط بالمؤسسات الأكاديمية، أشار “العيد” إلى أن الجامعات ومراكز البحوث يمكنها المساهمة من خلال إجراء دراسات علمية معمقة حول ظاهرة دخل المشاهير وتأثيراتها المختلفة، وتطوير برامج ومناهج لتنمية التفكير النقدي لدى الطلاب والجمهور. ويرى “العيد” الحاجة إلى دراسات تركز على العلاقة بين الدخل المعلن للمشاهير وسلوكيات الادخار والاستثمار لدى الشباب، وبحث الآثار النفسية طويلة الأمد للمقارنة الاجتماعية المستمرة.

وحذر الأخصائي النفسي والمدير التنفيذي لمجموعة ”أصدقاء تعزيز الصحة النفسية“، فيصل العجيان، من الأعباء النفسية الكبيرة التي قد يتعرض لها المشاهير والمؤثرون أنفسهم نتيجة الضغوط المستمرة للحفاظ على صورة مثالية وتحقيق مستويات عالية من التفاعل. أوضح العجيان أن السعي الدؤوب للظهور بصورة متكاملة ومطاردة الأرقام والعقود الإعلانية قد يدفع العديد من هؤلاء المؤثرين إلى إخفاء جوانبهم الإنسانية الطبيعية وتحدياتهم الشخصية، ما يشكل عبئاً نفسياً متزايداً.

وأشار إلى أن الحياة المعلنة التي تبدو مثالية قد تولد شعوراً بالاغتراب عن الذات والقلق المزمن، وصولاً إلى مخاطر الاحتراق النفسي. وشدد العجيان على أهمية أن يدرك المؤثرون ضرورة العناية بصحتهم النفسية، ووضع حدود واضحة بين حياتهم الخاصة والمحتوى الذي يقدمونه للجمهور.

ودعا إلى أهمية تعزيز مفهوم ”الأصالة المسؤولة“، حيث يمكن للمؤثر أن يشارك جوانب من حياته بشكل يعكس الواقعية دون الانجراف نحو المثالية المفرطة. ويقلل هذا النهج من الآثار السلبية للمقارنات الاجتماعية غير العادلة التي قد تؤثر على تقدير الذات لدى الجمهور، خاصة فئة الشباب والمراهقين.