دراسة لـ”كي بي إم جي” تؤكد أهمية الرقابة المؤسسية لمواجهة التحديات المرتبطة بالاحتيال
يثير الاحتيال المالي قلقًا متزايدًا في منطقة الشرق الأوسط؛ ففي المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر من أقل الدول في المتوسط العالمي لجرائم الاحتيال المالي، تتصاعد وتيرة حوادث الاحتيال بنسبة 15% سنويًا، ويُعزى ذلك إلى التحول الاقتصادي، والتكامل الرقمي، والجهود المبذولة لتحقيق رؤية 2030.
وعلى نطاق أوسع في المنطقة، لا يزال هناك أكثر من 223 ألف أصل رقمي عرضة للهجمات السيبرانية، مما يبرز الحاجة الملحة إلى زيادة الإنفاق على أمن المعلومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي يُتوقع أن يصل إلى 3.3 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2025.
ومع اتساع نطاق المنظمات الإقليمية وزيادة ترابطها، تتزايد المخاطر، والكثير منها يأتي من داخل المنظمات نفسها. هذه كانت الرسالة الأساسية لدراسة “الأنماط والسمات العالمية للمحتال 2025″، التي أصدرتها “كي بي إم جي” لتسليط الضوء على الأفراد المتورطين في الاحتيال المؤسسي حول العالم.
ورغم العولمة التي تتناولها الدراسة، فإن نتائجها تتشابه بشكل كبير مع الحوادث التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط. في السعودية، حيث تشهد الشراكات بين القطاعين العام والخاص ارتفاعًا كبيرًا، أدى توسيع سلاسل الإمداد إلى إحداث ثغرات يستغلها المطلعون المتمرسون.
تؤكد “كي بي إم جي” أن هناك زيادة ملحوظة في الاحتيال المرتبط بالمشتريات، وتحويلات الأموال غير المصرح بها، ومخططات تعارض المصالح داخل المنظمات الكبرى، خصوصًا في قطاعات حيوية مثل البناء، والرعاية الصحية، والخدمات العامة.
استنادًا إلى 256 تحقيقًا واقعيًا شمل أكثر من 660 متورطًا من دول مختلفة، يُشير التقرير إلى أنَّ غالبية عمليات الاحتيال لا يَرتكبها مجرمون خارجيون، بل موظفون مخضرمون يعملون داخل المنظمة.
ويُعرَّف “المحتال النموذجي” بأنه شخص يتراوح عمره بين 36 و55 عامًا، غالبًا ما يشغل منصبًا إداريًا أو تنفيذيًا، وقد أمضى في الشركة أكثر من ست سنوات. هؤلاء الأفراد نادرًا ما يثيرون الشكوك ويُنظر إليهم على أنهم جديرون بالثقة، مما يمكّنهم من استغلال نقاط الضعف الداخلية.
النوع الأكثر شيوعًا للاحتيال عالميًا هو الاستيلاء غير المشروع على الممتلكات، والذي يتم غالبًا من خلال الاختلاس أو الاحتيال المرتبط بالمشتريات. وفي معظم الحالات، يعمل الجناة ضمن مجموعات تضم بين فردين إلى خمسة أفراد.
على الرغم من أن معظم عمليات الاحتيال كانت تُسبب خسائر أقل من 200 ألف دولار أمريكي، فإن تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من الجانب المالي، حيث يُلحق ذلك أذًى بالسمعة والاضطرابات الداخلية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ضعف الضوابط الداخلية، الذي كان العامل الرئيسي الذي أتاح للجناة تنفيذ عملياتهم في 76% من الحالات. أكثر من نصف الشركات المتضررة لم تكن لديها أنظمة رسمية فعالة لمكافحة الاحتيال.
في كثير من الحالات، لم تنجح عمليات المراجعة الداخلية أو التقنيات الحديثة في كشف عمليات الاحتيال، بل تم اكتشافها من خلال المبلغين عن المخالفات والمعلومات غير الرسمية، مما يُبرز أهمية الثقافة المؤسسية والتواصل الفعال.
في هذا السياق، صرح نيكولاس كاميرون، شريك ورئيس استشارات التحقيقات الجنائية في “كي بي إم جي” الشرق الأوسط، بأنه يجب على المنظمات تعزيز دفاعاتها من خلال التحليلات المتقدمة، والكشف الفوري عن عمليات الاحتيال، والمراجعات الدورية للإستراتيجيات، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الإدارات للحد من فرص التواطؤ.
رغم أن دراسة “كي بي إم جي” تقدم استنتاجات عالمية، فإن أهميتها تتجلى بوضوح في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج، حيث ازدادت الحاجة إلى حماية داخلية قوية ورقابة مؤسسية ومساءلة فعالة، وقيادة أخلاقية.
عدد المصادر التي تم تحليلها: 2
المصدر الرئيسي : الاقتصادية
post-id: e054f804-e5d3-4899-98c6-7e572dfbe86b