شدد عدد من المختصين في التربية والصحة والأسرة على أن الإجازة الصيفية ليست فترة راحة مطلقة كما يروج لها البعض، بل هي فرصة تربوية وصحية ثمينة يجب استثمارها بوعي. حذر المختصون من أن ترك الأبناء دون توجيه خلال الإجازة قد يقودهم إلى فراغ خطير، تتولد منه أنماط سلوكية وصحية سلبية تمتد آثارها على المدى الطويل.
وأكد المشاركون في حديثهم أن غياب الفهم الحقيقي للإجازة حولها إلى موسم للهدر، ترتبط فيه المتعة بالكسل والسفر فقط، بينما تغيب عنه مفاهيم الراحة المنتجة، والانضباط الذاتي، واكتساب المهارات. أوضحوا أن من أبرز التحديات التي تتكرر كل صيف: السهر المفرط، سوء التغذية، ضعف الحركة، والعزلة الرقمية. وأكدوا أهمية دور الأسرة في التوجيه.
وشدد المتخصصون على أن التربية لا تتوقف بانتهاء العام الدراسي، بل تستمر عبر أنشطة الصيف. البيت هو نقطة الانطلاق لإدارة الإجازة بذكاء ومرونة، عبر إشراك الأبناء في التخطيط وتحفيزهم بمكافآت تربوية.
ودعوا إلى إعادة تفعيل الأندية الصيفية وتعزيز العمل التطوعي، وربط البرامج الصيفية بحوافز تعليمية ومجتمعية، وتقديم خطط إجازة تشاركية تتناسب مع ظروف كل أسرة.
أكد الدكتور شلاش الضبعان، الأكاديمي والتربوي، أن الإجازة الصيفية باتت محمّلة بمفاهيم خاطئة ترسخت في المجتمع، وأبرزها أن الإجازة تعني “راحة مطلقة” من كل شيء. أوضح أن هذه المسلمات ليست سوى عادات طارئة ورثتها الأجيال دون مراجعة، مما أدى إلى أن تصبح الإجازة موسماً لانفلات القيم وضياع الوقت.
بيّن أن الطالب يعتبر من حقه النوم حتى الظهر، وتناول ما يشاء، والامتناع عن أي نشاط تطويري. ويرى الضبعان أن هذا الفكر نتاج رسائل غير مباشرة يرسلها الوالدان والمجتمع، مثل سؤال الطلاب “أين قضيت الإجازة؟”، وكأن القيمة ترتبط بالمكان لا بالمضمون.
كما أشار إلى أن السفر ليس ضرورة، بل قد يكون خيارًا غير متاح، ويؤدي الضغط المرتبط به إلى مشكلات أسرية. وأضاف أن الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعادة ضبط المفاهيم عبر تقديم نموذج للإجازة المنتجة، ومشاركة الأبناء في أنشطة تنمّي القيم والمهارات.
ودعا الضبعان إلى إشراك العائلة الكبرى أيضًا في الأنشطة الصيفية. كما حث المؤسسات التعليمية والاجتماعية على أن تكون شريكًا داعمًا لا بديلاً للأسرة.
وختم بقوله: “نحتاج إلى تغيير فكري يبدأ من البيت، فالإجازة ليست هروبًا من الجهد، بل فرصة لصناعة شخصية متوازنة.. راحة نعم، لكن راحة منتجة وموجهة”.
تناولت طبيبة الأسرة والكاتبة د. لمياء البراهيم الإجازة الصيفية من منظور صحي وسلوكي، محذّرة من أنماط الحياة السائدة التي تسيطر على سلوك الأطفال واليافعين. وكشفت أن بعض الأطفال اليوم تظهر لديهم مؤشرات صحية خطيرة في عمر مبكر. اعتبرت أن هذا التحول ناتج عن سوء نمط الحياة المرتبط بالإجازة.
ودعت البراهيم إلى أن تبدأ المعالجة من داخل المنزل، من خلال إشراك الأبناء في تحضير الطعام، وتعليمهم أساسيات الطبخ الصحي. كما أكدت أن التثقيف الغذائي لا يجب أن يكون نخبويًا، بل بسيطًا ومناسبًا لسن الطفل.
وحذّرت من شيطنة الأجهزة الإلكترونية، مشيرة إلى أن المشكلة ليست في الجهاز ذاته، بل في كيفية استخدامه. وأكدت وجود تطبيقات تعليمية يمكن أن تدمج الترفيه بالتعلم، وكذلك تعزيز مفهوم المشاركة والحديث المفتوح.
وختمت بالدعوة إلى أن تكون الإجازة فرصة للتجديد والتوازن، لا للانقطاع عن كل قواعد الحياة.
أكد التربوي والمستشار الأسري الدكتور عبدالعزيز آل حسن أن الإجازة الصيفية تُعد فترة ذهبية لإعادة تهيئة الأبناء نفسيًا وفكريًا، شريطة إدارة الإجازة بوعي. وأشار إلى أهمية بناء خطة صيفية مرنة تحفز الأبناء على الإنجاز دون شعور بالضغط.
ودعا إلى إشراك الأبناء في تصميم الخطة الصيفية. كما حث على إعادة تفعيل الأندية الصيفية، مشيرًا إلى أنها كانت منصات متكاملة لتطوير المهارات. وأوصى بالمشاركة الفعالة للوالدين في الأنشطة مع الأبناء.
قدّمت التربوية راوية هوساوي رؤية ميدانية للأثر الإيجابي للإجازة الصيفية على الطالبات، مؤكدة أن المدرسة يجب أن تستمر في توجيه ودعم الطالبات عبر أنشطة مخططة.
كما أكدت أهمية أن تبدأ المدرسة مبكرًا في تهيئة الطالبات للإجازة. وفي الجانب الأسري، اقترحت هوساوي أن تُعامل الإجازة مثل مشروع عائلي صغير، له خطة وأهداف.
ختاماً، وفي توصيات المتخصصين، تم التأكيد على أهمية إعادة صياغة المفهوم المجتمعي للإجازة، وتحميل الأسرة مسؤوليتها التربوية، وتفعيل دور العائلة الكبرى والمؤسسات المجتمعية لتعزيز القيم والمشاركة.
عدد المصادر التي تم تحليلها: 1
المصدر الرئيسي : أدار الندوة عبدالعزيز العمري – جدة
post-id: 54a5e477-df1a-4862-b5a1-7b6284624ab3