الخصوبة تهدد النمو الاقتصادي في الصين .. لن يكون لديها كفاءات
يتعرض النمو الاقتصادي طويل الأجل للصين للخطر بسبب انكماش القوى العاملة وتسارع شيخوخة السكان، وفقًا لمؤسسة أكسفورد إيكونوميكس. قد ينخفض نمو الناتج المحتمل للدولة من 4% تقريبًا إلى أقل من 2% بحلول خمسينيات القرن الجاري، حيث يُثقل انخفاض معدلات المواليد وارتفاع نسبة الإعالة كاهل الإنتاجية والمالية العامة.
بينما قد تُخفف الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، وطأة هذا الوضع بالهجرة، تواجه الصين ودول أخرى تحديات أشد في الحفاظ على النمو وإدارة أنظمة الدعم الاجتماعي. تقول مجلة “فورتشن”: “إن الصين ربما هي الدولة الوحيدة القادرة على منافسة هيمنة أمريكا الاقتصادية”، لكن آفاقها على المدى الطويل مهددة بسبب نقطة ضعف جوهرية: لن تكون لديها الكفاءات الكافية لمواصلة نموها.
أوضح التقرير أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض هو تقلص القوى العاملة في الصين بسرعة، مع تراجع معدلات الخصوبة إلى ما دون “مستوى الإحلال”، أي المعدل الذي يُعوَّض فيه عدد الداخلين إلى سوق العمل بعدد الخارجين منه. لكن المشكلة الأساسية لا تقتصر على نقص عدد القوى العاملة اللازمة لتحفيز الاقتصاد فحسب، بل يمتد أيضًا إلى ضعف الاستهلاك، ما يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات التجارية، وتباطؤ الابتكار، وارتفاع الدين الحكومي نتيجة لدعم كبار السن مع وجود عدد أقل من الشباب لإعالتهم.
وكتب الخبيران ماركو سانتانييلو وبنيامين تريفيس: “مع تقدم السكان في السن، غالبًا ما تكون الفئات العمرية الشابة أقل من كبار السن بسبب انخفاض معدلات المواليد، وهذا يرفع نسبة الإعالة، حيث يدعم عدد أقل من الأشخاص في سن العمل عددا متزايدا من المتقاعدين”. وأشارا إلى أن هذا الضغط سيزداد أكثر في الاقتصادات النامية مثل الصين والبرازيل، التي لا تزال فئاتها السكانية شابة نسبيًا لكنها تشيخ بسرعة.
وفقًا لبيانات “وورلد بوبوليشن ريفيو”، بلغ معدل المواليد في الصين عام 2025 نحو 7.24 مولود لكل 1000 شخص، بينما بلغ 11 في الولايات المتحدة، و9.82 في كندا، و10 في المملكة المتحدة. وبحسب حسابات “أكسفورد إيكونوميكس”، ستتغير نسبة الإعالة في الصين (عدد الأشخاص في سن العمل مقارنة بمن هم في عمر 65 أو أكثر) بمقدار 60 نقطة مئوية بين 2010 و2060.
في المقابل، تزيد هذه النسبة في تايلاند عن 40 نقطة مئوية، وفي البرازيل نحو 35 نقطة. وعلى النقيض، تبلغ في الولايات المتحدة نحو 10 نقاط فقط، وفي المملكة المتحدة نحو 15 نقطة. ويُعزى ذلك إلى أن الدول المتقدمة بدأت من نقطة أعلى أصلًا، لذا فإن معدلات زيادة الإعالة فيها أبطأ نسبيًا. لكن أمام الاقتصادات المتقدمة خيار آخر: تعويض النقص في القوى العاملة بالعمالة المهاجرة.
وأوضح الباحثان أنه في حال زيادة عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة من 1.1 مليون في عام 2023 إلى 1.5 مليون بحلول 2033 واستقرت بعد ذلك، فستعزز الإمكانات الاقتصادية بحلول 2050. أما فيما يخص مسألة التقاعد، فإن النقاش حول انخفاض المواليد وشيخوخة السكان أصبح من القضايا الرئيسية في الدول المتقدمة. فعلى سبيل المثال، حذّر إيلون ماسك من أن انخفاض معدلات الولادة قد “ينهي الحضارة”. كما دعا لاري فينك، المدير التنفيذي لشركة “بلاك روك”، إلى بدء حوار وطني حول أهمية الادخار الشخصي للتقاعد بدلًا من الاعتماد على الدولة.
وقال لشبكة سي إن إن سابقا هذا العام: “التقاعد ليس مشكلةً بالغة الخطورة بالنسبة إلى أكبر شركات فورتشن 500 في أمريكا. الأمر يتجاوز ذلك. لم نرفض الحديث عن نمو اقتصادنا بمشاركة مزيد من الأمريكيين؟ لهذا السبب يجب أن نجري حوارًا في واشنطن، ويجب اعتبار هذا أولويةً وطنيةً ووعدًا وطنيًا لجميع الأمريكيين”. ولتحقيق هذه الغاية، يُظهر تقرير أكسفورد إيكونوميكس أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا قد تتجاوز 250% بحلول 2060، في ظل سعي الحكومة لمواكبة دعم سكانها المسنين.
وكتب الاقتصاديون: “في الاقتصادات التي تفتقر إلى شبكات أمان اجتماعي متطورة، يقع عبء شيخوخة السكان على عاتق الأسر”. واختتم الاقتصاديان بالقول “إن عبء الشيخوخة يقع على كاهل الأسر في الدول التي تفتقر إلى شبكات أمان اجتماعي متطورة، بينما في الدول ذات الأنظمة الاجتماعية السخية، فإن استمرار هذه النظم دون إصلاح، مثل رفع سن التقاعد أو رفع مشاركة القوى العاملة، غير مستدام ماليًا”.
في السيناريو المذكور، سيرتفع الدين العام ارتفاعا حادا في معظم الاقتصادات المتقدمة وعديد من الأسواق الناشئة. ستكون الدول المثقلة بالديون الأقل قدرة على استيعاب الأثر الاقتصادي للتغير الديموغرافي، وستواجه صعوبة في الاستجابة للانكماشات الاقتصادية المستقبلية بسبب محدودية الحيز المالي.
عدد المصادر التي تم تحليلها: 2
المصدر الرئيسي : الاقتصادية
معرف النشر: ECON-050825-112