كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة “ساينس” العلمية، أجراها فريق من العلماء من خمس قارات بقيادة البروفيسور براندول وولف من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، عن حدث جزيئي غير مسبوق يُفعّل الاستجابة المناعية للقمح ضد أحد أخطر الأمراض التي تصيب هذا المحصول الحيوي، مما يوفر استراتيجيات جديدة لتطوير سلالات من القمح تمتلك مناعة أقوى ضد العدوى.
يُعد القمح أحد أهم السلع الغذائية في العالم، كونه الغذاء الرئيسي لمليارات البشر وأحد المصادر الرئيسية لعلف الحيوانات. ولأجل ذلك، فإن انتشار جائحة تصيب القمح قد يكون أكثر تدميرًا من الجوائح البشرية.
قال وولف: “مع التغير المناخي، بدأت الأمراض بالظهور في مناطق لم تُسجل فيها من قبل. نحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث حول مناعة النباتات لتطوير تقنيات تحمي المحاصيل الغذائية القيّمة”.
تمتلك النباتات أجهزة مناعية تشبه تلك الموجودة لدى الحيوانات، ولكن بآليات مختلفة. بينما تعتمد الفقاريات، ومن ضمنها البشر، على خلايا الدم لإنتاج بروتينات تقضي على العوامل الممرضة، طورت النباتات نظاماً مناعياً خاصاً بها يعتمد على تفاعلات جزيئية داخلية.
التحدي العلمي يتمثل في فهم هذه التفاعلات التي تؤدي إلى قتل النبات للكائنات الممرضة.
تُظهر الدراسة الحديثة أول الأحداث الجزيئية التي تحدث داخل خلايا النبات استجابةً لمرض صدأ الساق، وهو مرض فطري يُشار إليه أحيانًا بـ”شلل الأطفال في القمح”، نظرًا لتسببه في العديد من المجاعات التاريخية. وعلى الرغم من أن أساليب الزراعة الحديثة نجحت في إنتاج قمح مقاوم نسبيًا لهذا المرض، إلا أن انتشاره المفاجئ لا يزال قادرًا على القضاء التام على المحاصيل.
تبين الدراسة أن الاستجابة المناعية للقمح تبدأ عندما يتفاعل فطر صدأ الساق مع نوع خاص من البروتينات النباتية يُعرف باسم “الكينازات الترادفية”. الكِينازات تلعب دورًا في العديد من العمليات الحيوية، وسُميت بـ”الترادفية” لأنها مرتبطة جسدياً، ومعروفة بدورها الحاسم في تنشيط مناعة النباتات.
يكشف البحث تفاصيل التفاعلات الجزيئية التي تسببها هذه الكينازات لإطلاق الاستجابة المناعية، حيث تقوم بتحفيز قتل الخلايا المصابة، مما يحرم الفطر الممرض من العناصر الغذائية اللازمة له.
في حالة غياب العامل الممرض، تبقى الكينازات الترادفية مقيدة بعضها ببعض، ولكن عند ارتباط العامل الممرض بأحدها، يتم تحرير الكيناز الآخر، مما يسمح له بتنشيط الاستجابة المناعية للنبات بسرعة وكفاءة. تُعد هذه الآلية غير مسبوقة وتوفر رؤى جديدة حول سُبل تطوير سلالات قمح تتمتع بمقاومة أكبر ضد الأمراض.
هذا الاكتشاف ليس فقط مهمًا لمكافحة مرض صدأ الساق، بل يعزز من إمكانيات استخدامه لتقوية محاصيل الحبوب عمومًا ضد مجموعة واسعة من الأمراض الزراعية.
قال ولف: “ترى غالبية الدول أن القمح عنصر أساسي في سياساتها الغذائية وأمنها الغذائي. وكلما فهمنا بشكل أعمق كيف يتفاعل القمح مع العوامل الممرضة، تمكنا من تأمين إمدادات الغذاء العالمية بطريقة أكثر استدامة لمواكبة النمو السكاني المتزايد”.
يُعد القمح أكثر المحاصيل إنتاجًا وتداولاً في العالم، بفضل سهولة زراعته وتخزينه وتصنيعه، إلى جانب قيمته الغذائية العالية. في السنوات العشر الماضية، تجاوز حجم إنتاج القمح عالميًا 750 مليون طن سنويًا، مقارنة بـ500 مليون طن فقط للأرز، مما يعزز مكانة القمح كمصدر غذائي استراتيجي.
يُشار إلى أن البروفيسور براندول وولف يشغل أيضًا منصب الرئيس المشارك لمركز التميز للأمن الغذائي المستدام في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حيث يجري مع فريقه أبحاثًا تهدف إلى تعزيز إنتاج الغذاء المستدام، لاسيما في البيئات الجافة والصحراوية.
عدد المصادر التي تم تحليلها: 3
المصدر الرئيسي : عبدالعزيز العمري – جدة
post-id: a7847616-6c39-4ce2-8f16-5d7027bc0bf5