كأس العالم للرياضات الإلكترونية .. نفط رقمي في قلب الرياض
عندما سُئل المخرج العالمي آر. جي كاتلر عن سبب تعاونه مع منصة الترفيه العالمية “برايم فيديو” وموافقته على إخراج سلسلة أفلام وثائقية تتحدث عن كأس العالم للرياضات الإلكترونية، أجاب الحائز على جائزة إيمي بأن أكثر ما ألهمه في تلك البطولة هي القصص الإنسانية التي تظهر خلف ستار المنافسات القوية، فهو يرى أن خلف المسابقات والجوائز هناك تفاني وشغف وإرادة مذهلة يمتلكها اللاعبون الذين يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى القمة.
يتماشى ما قاله المخرج مع احتفال الملايين من عشاق الألعاب الإلكترونية بانطلاق النسخة الثانية من كأس العالم للرياضات الإلكترونية التي تشهد أرقامًا قياسية بمشاركة أكثر من 2000 لاعب يمثلون 100 دولة، بالإضافة إلى الفعاليات الفريدة مثل “منطقة صناع المحتوى” التي أعلنت عنها مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، وهي منطقة ستجمع بين الترفيه التفاعلي والمنافسات وتمنح الزوار تجارب حية مستوحاة من صناع المحتوى، فضلاً عن حجم الجوائز الذي يتجاوز 70 مليون دولار.
وصف حدث كأس العالم للرياضات الإلكترونية بأنه يتجاوز مجرد الرياضة والترفيه، حيث تشير إذاعة “بي بي سي” إلى أن البعد الاقتصادي للبطولة يجعلها أكبر من حدث رياضي عالمي. خططت المملكة لذلك مبكرًا في رؤية 2030 حين اعتبرت قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية واحدًا من 13 قطاعًا له أولوية في الدعم والتطوير، مع السعي لجعل السعودية مركزًا عالميًا للألعاب والرياضات الإلكترونية.
أُطلقت استراتيجية قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في عام 2022 لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: رفع جودة الحياة من خلال تحسين تجربة اللاعبين وتوفير فرص ترفيهية جديدة، استحداث أكثر من 39 ألف فرصة عمل في هذا المجال، وتحقيق 50 مليار ريال أرباح بحلول عام 2030.
تشير البيانات حول قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية إلى بُعد نظر المملكة، حيث بلغ حجم سوق الرياضات الإلكترونية العالمي في عام 2023 1.72 مليار دولار مع توقعات بنموه إلى 9.29 مليار دولار بحلول عام 2032 بمعدل نمو سنوي قدره 20.7%. استأثرت أمريكا الشمالية بالنصيب الأكبر بسوق تبلغ قيمته 500 مليون دولار، بينما تعتبر السعودية في طريقها إلى نهضة غير مسبوقة، حيث يمثل عشاق الألعاب الإلكترونية 70% من سكانها بواقع 28.3 مليون شخص.
في أكتوبر 2023، أطلق الأمير محمد بن سلمان بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية بحضور أساطير الرياضة مثل إنفانتينو ورونالدو، لتكون الحدث الأكبر من نوعه سنويًا في الرياض ابتداءً من صيف 2024، مع إنشاء مؤسسة تحمل اسم البطولة لتكون المحرك الأول لهذا الحدث الفريد.
النسخة الأولى من البطولة التي انطلقت في 3 يوليو 2024 حققت نجاحًا كبيرًا، حيث شهدت مشاركة أكثر من 1500 لاعب يمثلون 500 فريق من مختلف أنحاء العالم للتنافس على 22 بطولة، وتنظيم أكثر من 7 آلاف فعالية للزائرين خلال المسابقة التي استمرت لثمانِ أسابيع. حجم الجوائز تجاوز الـ60 مليون دولار، وجذب “المونديال” مليون زائر، حيث وصلت نسب المشاهدة إلى 177.5 مليون ساعة. وفقًا لمؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، سجلت النسخة الأولى مجتمعة أكثر من 1 مليار انطباع و270 مليون مشاهدة و58 مليون تفاعل.
استثمرت السعودية هذا النجاح من خلال مجموعة “سافي” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، التي خصصت 8.3 مليار دولار للاستحواذ على خمس شركات عالمية متخصصة في الألعاب، وضخ نحو 38 مليار دولار للاستثمار في هذا المجال. كما أطلق بنك التنمية الاجتماعية السعودي برنامجًا لتمويل قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية بميزانية قدرها 290 مليون دولار في 2024. تشمل الخطوات الأخرى تطوير برامج تدريبية لتأهيل الفرق السعودية وتوفير بنية تحتية قوية كمدينة القدية.
حققت المملكة مكانة الريادة بسرعة في قطاع الألعاب الإلكترونية بإيرادات وصلت إلى 1.13 مليار دولار في عام 2023 مع توقعات نمو سنوي بنسبة تتجاوز 6% لتصل الإيرادات إلى 1.36 مليار دولار في 2026. وفقًا لمجموعة بوسطن الاستشارية، تفوقت إيرادات قطاع الألعاب الإلكترونية عالميًا على إيرادات الموسيقى والمبيعات الألبومات، حيث قفزت من 142 مليار دولار فقط في 2018 إلى 193 مليار دولار في 2021، مع توقعات بتجاوز 220 مليار دولار بحلول 2027.
مع تلك الأرقام ووضع المملكة كعاصمة لهذا القطاع، يُطرح سؤال واقعي: هل يصبح قطاع الألعاب الإلكترونية بمثابة نفط سعودي جديد؟
عدد المصادر التي تم تحليلها: 2
المصدر الرئيسي : الاقتصادية
معرف النشر: ECON-110725-58