لغز الـ 100 مليار دولار المفقودة.. كيف تبخّر أثر رسوم ترمب الجمركية على التضخم؟
الرسوم الجمركية تُعتبر ضريبة على المستهلك، هذا ما أكده نحو 75% من المستوردين، وفقاً لدراسة حديثة أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي، حيث أعلنوا نيتهم في إضافة تكاليف الرسوم التي تعهد بها الرئيس دونالد ترمب على أسعار البضائع. كان ترمب صريحاً منذ الأسابيع الأولى لولايته الثانية، حين أشار إلى عزمه إحداث تحول في نظام التجارة العالمي على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عقود، مما دفع خبراء اقتصاد إلى التحذير من ارتفاع الأسعار، وهو ما أكدته الدراسة.
لكن بعد مرور 6 أشهر على واحدة من أهم عمليات إعادة هيكلة التجارة العالمية في نصف قرن، بدت محصلة هذه الرسوم وكأنما قد تبخرت، إذ لم تنعكس بعد في أرقام التضخم. جمعت وزارة الخزانة الأمريكية حتى الآن مبلغا قياسيا من الرسوم الجمركية، بلغ 100 مليار دولار، وهي في طريقها إلى تحصيل 300 مليار دولار هذا العام. بينما يُفترض أن تؤدي هذه الرسوم إلى زيادة الأسعار، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم، فإن هذا السيناريو لم يحدث.
جاءت بيانات التضخم من مكتب إحصاءات العمل الأمريكي لأربعة أشهر متتالية دون التوقعات، إذ بلغت آخر قراءة للتضخم 2.4% فقط؛ بل إن مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي نشر هذا الأسبوع تقريرا يُفيد بانخفاض أسعار الواردات. فأين ذهب أثر الرسوم؟
هل الوقت ما زال مبكرا لتُظهر البيانات تأثير الرسوم الجمركية؟ يدفع المستوردون الرسوم الجمركية عادة عند دخول البضائع إلى الولايات المتحدة. يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تدخل هذه الرسوم في النظام، لكن في نهاية المطاف تنتقل الأسعار المرتفعة إلى المستهلكين. رغم الحديث عن الرسوم منذ أشهر، فإن تطبيقها الفعلي حديث نسبياً. ويرى اقتصاديون أن الوقت ما زال مبكرا، بحسب ما ذكرته مجلة “فورتشن”.
الاتحاد الوطني لدافعي الضرائب في الولايات المتحدة قال بدوره إن الفترة الزمنية التي اعتمدها مجلس المستشارين الاقتصاديين “قصيرة جداً لاستخلاص نتائج حاسمة”. وبينما فُرضت رسوم غير متبادلة بنسبة 10% في أبريل، بدأت رسوم الصلب والألمنيوم في مارس، وارتفعت في يونيو. أما الرسوم على الواردات الصينية فبلغت 30% منذ مارس. كذلك، ما زالت هناك العشرات من الرسوم “المتبادلة” مؤجلة، فضلاً عن أن جمع بيانات الأسعار الحكومية الرسمية وإصدارها يستغرق وقتاً.
مخزون الشركات الكبرى يحد من أثر الرسوم الجمركية. فور الإعلان عن الرسوم الجمركية، سارع المستوردون إلى إدخال البضائع قبل ارتفاع الأسعار. هذا التدفق الهائل للواردات، دون أن يقابله طلب مماثل في السوق، أثر مؤقتا في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. يعني هذا أن الشركات ربما ما زالت تبيع كميات كبيرة من السلع المستوردة بأسعار ما قبل الرسوم الجمركية. إريك وينوجراد، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في “ألاينس برنستين”، قال إن الشركات خزّنت كميات من البضائع، ولم تضطر حتى الآن لرفع الأسعار لأن هذه البضائع ما زالت في المخزون. ومع ذلك، توقّع ارتفاع الأسعار عند نفاد هذه الكميات المُخزّنة وبدء شراء سلع جديدة بتكلفة أعلى، “مع تحمل المستهلكين العبء”.
الشركات الصغيرة تؤثر تحمل عبء الرسوم عن المستهلك. في المقابل، يرى يوجينيو أليمان، كبير الاقتصاديين في شركة “رايموند جيمس”، أن حالة عدم اليقين هي السبب الأهم في عدم ظهور آثار الرسوم بعد. وقال: “الكل يدرك أن تكلفة الاستيراد سترتفع؛ لكن لا أحد يعرف مقدارها بدقة، وهذا يدفع كثير من الشركات للتريث في تعديل الأسعار”. قد تؤثِر الشركات الصغيرة تحمل تكلفة الرسوم الجمركية مؤقتا، نظراً لصغر قاعدة عملائها، مما يجعلها تتردد في رفع الأسعار، وفقاً لأليمان.
يظهر بحث حديث لـ “بنك أوف أمريكا” أن قيمة الرسوم الجمركية التي دفعتها الشركات الصغيرة في مايو تضاعفت تقريباً عن مستويات 2022، حيث “قد تكون الشركات الصغيرة، في بعض النواحي، أكثر عرضة لضغوط الرسوم الجمركية من الشركات الكبيرة، نظراً لمحدودية وصولها إلى رأس المال”. البعض يخشون ترمب فيبقون الأسعار دون زيادة. لا يتردد ترمب في توجيه انتقادات علنية لشركات التجزئة الكبرى عبر منصته “تروث سوشيال”، إذا فكرت حتى في رفع الأسعار. قد يكون هذا من العوامل الإضافية لكبح جماح التضخم الناتج عن الرسوم. جيف كلينجلهوفر، المدير الإداري في شركة “أرستاتل باسيفيك”، قال: “إذا رأى الرئيس تمريراً كبيراً للرسوم الجمركية عبر الأسعار، فسنشهد مزيداً من السياسات العامة، ربما عبر تويتر”، بحسب ما نقلته عنه “فورتشن”.
كان الرجل قد أشار في السابق إلى أن الشركات ستتحمل وطأة تأثير الرسوم الجمركية “لأنها الوحيدة القادرة على تحمل التكاليف، بعد استنزاف المستهلكين مالياً خلال سنوات التضخم المرتفع”. كلوديا سام، الخبيرة الاقتصادية السابقة في الاحتياطي الفيدرالي، ترى بدورها أن الشركات اليوم لم تعد في عجلة من أمرها لرفع الأسعار، مقارنة مع حالها خلال فترة التضخم التي أعقبت الجائحة، حيث كان الأمريكيون يتمتعون في ذلك الحين بوفرة من السيولة ورغبة في إنفاقها.
هل تحمل المصدرون جزءا من العبء؟ يرى مارك دي بلاسيدو، مستشار السياسات في مركز “أمريكان كومباس” للأبحاث، المؤيد للرسوم الجمركية، أن المصدرين الأجانب تحملوا جزءاً كبيراً من التكاليف. اضطرت شركات السيارات اليابانية على سبيل المثال إلى خفض أسعارها بنسب وصلت إلى 20% لتعويض التكلفة الإضافية، بدلاً من تحميل المستهلك العبء، وفقًا لبلاسيدو. في جميع الأحوال، يتفق الخبراء الذين تحدثت إليهم “فورتشن” على أن الرسوم الجمركية لا تمنح التجار شيكًا مفتوحًا لرفع الأسعار، بل تُدخل جميع الأطراف، من مستوردين إلى مصدرين ومستهلكين، في مفاوضات معقدة لتوزيع أعباء التكلفة، قد تستغرق وقتًا للوصول إلى نتائج.
عدد المصادر التي تم تحليلها: 4
المصدر الرئيسي : الاقتصادية
معرف النشر: ECON-140725-527