الإمارات

ألعاب «تريند» تغذي مشاعر الخوف عند الأطفال وتصيبهم باضطرابات عاطفية

592e0514 3363 412f 9860 3e8b984d4933 file.jpg

قال آباء وأمهات إن هناك ألعاب أطفال منتشرة في الأسواق المحلية تحمل طابعاً مخيفاً أو مقززاً، أو تتضمن دلالات سلبية، مما يثير فضول أبنائهم ويغريهم باقتنائها. وأكدوا أن وقت الإجازة المدرسية يتيح للصغار قضاء أوقات طويلة مع الألعاب، مشيرين إلى قلقهم من تأثيراتها السلبية لأنه تم ملاحظة تغييرات في سلوكيات أطفالهم.

وجالت «الإمارات اليوم» في عدد من متاجر الألعاب لرصد المنتجات التي تستهدف الأطفال والاطلاع على طبيعتها والفئة العمرية المستهدفة. وكشفت الجولة عن وجود ألعاب على أرفف المتاجر مستوحاة من مقاطع فيديو مخيفة منتشرة على كثير من وسائل التواصل الاجتماعي. وحذر مختصان من الأثر العميق للألعاب في التطور النفسي والسلوكي للأطفال، خاصة في مراحلهم الأولى، مؤكدين أهمية الدور الذي تلعبه الرقابة الأبوية.

وتفصيلاً، أبدى آباء وأمهات مخاوفهم المتزايدة بشأن تأثير الألعاب المرعبة الموجودة تحت أنظار أطفالهم، مؤكدين أهمية الحدّ من انتشارها لما قد تسببه من آثار سلبية نفسية وسلوكية. وقال أحمد المهيري: «تنتشر في الأسواق ألعاب لها تأثير سلبي كبير في الأطفال، مثل لعبة تعتمد فكرتها على قتل الشخصيات داخل المجموعة بأساليب مختلفة، ما يغرس مشاعر العنف والقلق لدى الأطفال»، لافتاً إلى أنهم يستمتعون بها دون وعي بتأثيرها.

وأكد ضرورة رقابة الأهل على الألعاب التي يختارها أطفالهم، والتأكد من ملاءمتها لفئاتهم العمرية، ومدى تأثيرها في سلوكهم ومهاراتهم، مع وضع ضوابط صارمة عند شراء الألعاب، خاصة واسعة الانتشار، أو التي تعدّ «تريند». وأضاف: «كانت ألعاب الطفولة، في الماضي، بسيطة ومباشرة، تناسب عقلية الطفل ومرحلة نموه، وخالية من المشاهد العنيفة أو المخيفة التي تسبب القلق والتوتر، أما اليوم، فالوضع مختلف وخطر مع انتشار ألعاب تغذي الخوف وتطرح تحديات كبيرة أمام الأجيال الجديدة، مما يجعل مسؤولية الأهل عن تربية أبنائهم وتوعيتهم أمراً بالغ الأهمية لحمايتهم من الأفكار السلبية النفسية والسلوكية».

وقالت علياء الشحي: «استوقفني ابني في أحد متاجر الألعاب عند لعبة لم أكن أعرفها من قبل، عبارة عن مرحاض عليه رأس شخص يغني ويتمايل. وقد شعرت بالاشمئزاز من الفكرة، وتساءلت بقلق: إلى أين وصل بنا الحال مع أطفالنا؟». وأكدت أنها من الأمهات الحريصات على انتقاء الألعاب بعناية، من حيث نوعيتها، وما يمكن أن تضيفه لأطفالها من فائدة، أو تسهم به في تنمية مهاراتهم.

وتابعت: «ما أثار استغرابي انتشار الألعاب التي تعزز العنف، وتدعو إلى الانتقام، أو التخلص من الخصوم». وقالت مها المروشد، إن هذه الألعاب تلفت انتباه الأطفال، معربة عن قلقها من انتشارها السريع. وأضافت أنها اشترت لعبة لطفلها دون معرفة حقيقتها، واعتقدت أنها مجرد لعبة مسلية أو مضحكة، لكنها لاحظت أن تغييراً طرأ على سلوك طفلها.

وتابعت: «بعد اللعب كان يتلفظ بكلمات غريبة، إلى جانب شعوره بالخوف عند النوم». وقالت علياء أهلي، إن الرقابة على الطفل مرهقة، وتتطلب صبراً كبيراً ومتابعة مستمرة، خاصة مع تعدد الألعاب ذات الأفكار السلبية. واعتبرت أن ضبط انتشار الألعاب المرعبة مسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف، الأسرة ومنافذ البيع والجهات الرقابية، لكن الأب والأم يتحملان الدور الأكبر في متابعة الأبناء ومراقبة ما يتعرضون له من محتوى.

وأضافت أنه من المهم أيضاً أن تتحمل المتاجر والجهات الرقابية دورها في فرض رقابة أكثر صرامة على الألعاب الموجهة للأطفال قبل طرحها في الأسواق. في المقابل، شرحت الطبيبة النفسية للأطفال والمراهقين، الدكتورة مها آل علي، أنه من المهم عند مناقشة تأثير الألعاب المخيفة في الأطفال أن نبدأ بفهم التطور النفسي الطبيعي خلال مراحل الطفولة، حيث تُعد بعض المخاوف جزءاً من النمو، وتختلف باختلاف العمر، فمثلاً يخاف الأطفال في سن مبكرة الأصوات العالية أو الظلام، بينما تظهر في المراحل اللاحقة مخاوف مرتبطة بالمدرسة أو العلاقات الاجتماعية.

وتابعت أن «التعرض المتكرر لألعاب مرعبة وغير مناسبة للعمر، قد يتجاوز هذه المخاوف الطبيعية، وقد يؤدي إلى تراجع في النمو السلوكي والنفسي للطفل، مثل التبول اللاإرادي أو الخوف من النوم بمفرده. كما أن التعلق بشخصيات مرعبة قد يشير إلى اضطراب في التنظيم العاطفي أو تعبير غير مباشر عن قلق داخلي، وهو ما يستدعي تقييماً من مختص نفسي».

وحول تأثير الألعاب في المراهقين، أشارت إلى أنهم قد ينجذبون لهذه الألعاب بدافع حب الإثارة والفضول، إلا أن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى ضعف الحساسية تجاه العنف، فيما يكون التأثير في الأطفال الأصغر أعمق، وقد يظهر في اضطرابات النوم والقلق والكوابيس المتكررة. وأفاد استشاري الطب النفسي، الدكتور معاذ الزرعوني، بأن الإجابة عن مدى ملاءمة هذه الألعاب للأطفال ليست «نعم» أو «لا» بشكل قاطع، بل تعتمد على طبيعة الطفل وظروفه وطريقة تقديم اللعبة له.

وقال إن التفاعل مع الألعاب المخيفة قد يكون مقبولاً في بعض الحالات، خصوصاً لدى الأطفال في عمر 12 سنة فما فوق، حيث يكونون أكثر قدرة على التمييز بين الخيال والواقع. وبين أن «الأمر يرتبط بدرجة كبيرة بمستوى نضج الطفل، ووجود بيئة داعمة، وإشراف مباشر من الأهل». كما أشار إلى أن «هذا النوع من الألعاب قد يساعد بعض الأطفال على التعبير عن قلقهم، وفهم مشاعرهم، ويمنحهم أحياناً شعوراً بالقوة والسيطرة».

لكنه شدد على أهمية أن يكون استخدامها اختيارياً، لا مفروضاً، وأن يتم بحذر ووعي، مع مراعاة الفروق الفردية، لاسيما لدى الأطفال ذوي الحساسية الزائدة أو الميل للخوف. ذكر أن انجذاب الطفل أو المراهق لشخصية مرعبة ليس علامة مرضية دوماً، فقد يكون مجرد حب للإثارة أو بدافع الفضول، إلا أنه يصبح مقلقاً إذا رافقه قلق شديد، أو تغيير في السلوك، أو تعلق مبالغ فيه، خصوصاً عند الأطفال ذوي الخلفية النفسية الحساسة، مشدداً على أهمية مراقبة ردود أفعال الطفل، والتحدث معه حول مشاعره، وطلب المشورة النفسية عند الحاجة.

وحول أهمية الرقابة على الألعاب، أكد الزرعوني أنها أساسية لحماية الصحة النفسية والمعرفية للطفل، بغض النظر عن عمره، موضحاً أن الرقابة لا تعني المنع التام، بل أن يكون الأهل حاضرين في حياة الطفل الرقمية واللعبية، يختارون معه، يشرحون له، ويساعدونه على فهم ما يراه. وشجع الزرعوني على الحديث مع الطفل عن مشاعره بعد اللعب أو المشاهدة، مشيراً إلى أن «الأطفال قد لا يمتلكون دائماً الكلمات المناسبة أو القدرة على التعبير عما يشعرون به أثناء لعب لعبة مخيفة، أو مشاهدة محتوى مزعج، لذا من المفيد أن يطرح الأهل أسئلة بسيطة مثل: كيف شعرت عندما لعبت هذه اللعبة؟ أو ما أكثر شيء خوّفك؟ وما أكثر شيء أعجبك؟»، مؤكداً أن الحوار يعطي الطفل مساحة آمنة للتعبير، ويساعد الأهل على التقاط أي إشارات مبكرة تدل على قلق أو توتر.

وأوضح أن الهدف ليس فقط الرقابة، بل المرافقة النفسية والتربوية للطفل في عالمه الرقمي والخيالي أيضاً، حتى يتعلم كيف يميّز بين ما هو حقيقي وما هو خيال، وما هو ممتع وما هو مزعج. وشرح أن آثار اللعبة قد لا تظهر مباشرة، بل بعد أيام أو حتى أسابيع، ناصحاً الأهل بمراقبة أي تغييرات في السلوك أو الحالة النفسية، خصوصاً ما يتعلق بالنوم والعلاقات الاجتماعية والمزاج العام.

وأكد أهمية فهم دور التسويق ووسائل الإعلام، إذ تقدم الكثير من الألعاب بواجهات جذابة تخفي أحياناً محتوى غير مناسب لعمر الطفل أو استقراره النفسي، ما يستدعي من الأهل وعياً أكبر ليس فقط بما تروّج له اللعبة، بل أيضاً بالرسائل الضمنية التي تحملها. وأوصى الزرعوني بتوفير بدائل ممتعة وآمنة للألعاب المخيفة، مؤكداً أن دور الأهل لا يقتصر على منع الألعاب غير المناسبة، بل يشمل أيضاً تقديم خيارات مثل ألعاب الذكاء، والألعاب الجماعية، أو القصص التفاعلية، ليشعر الطفل بأن الرقابة توجهه نحو خيارات أفضل.

كما شدد على أهمية اللجوء إلى المساعدة النفسية المتخصصة عند ملاحظة أي تغيّر مقلق في سلوك أو مشاعر الطفل، لأنه قد لا يمتلك دوماً القدرة على التعبير عما يشعر به إلا عبر سلوكه. في الختام، يمكن أن تكون لألعاب الرعب آثار مُتنوعة على الأطفال، إيجابيةً كانت أم سلبية، تبعاً لمزاج الطفل وطبيعة اللعبة. وبينما يجد أطفال التشويق والإثارة في إدارة خوفهم وبناء المرونة من خلال الألعاب، قد يُعاني آخرون زيادة القلق، أو الكوابيس، أو صعوبة في فصل الخيال عن الواقع. ومن المهم أن يكون الآباء على دراية بهذه الآثار المُحتملة، وأن يُراقبوا ردود أفعال أطفالهم تجاه المحتوى المُخيف.

لاختيار لعبة مناسبة لطفلك، ضع في اعتبارك عمره واهتماماته ومستوى مهاراته، وابحث عن ألعاب مناسبة لعمره، وجذابة، وتوفر فرصاً للتعلم والتطور. ويبقى اللعب في نهاية المطاف ركيزة أساسية، إذ يوفر الدعم العاطفي، وفرص التعلم، والتخلص من التوتر.


عدد المصادر التي تم تحليلها: 1
المصدر الرئيسي : مريم فيروز – دبي
معرف النشر: AE-190725-646

تم نسخ الرابط!
6 دقيقة و 14 ثانية قراءة